الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
واستولى السلطان الملك الناصر على جميع تعلقاته وآستقدم كاتبه كريم الدين أكرم بن العلم بن السديد فقدم على الملك الناصر بأموال المظفر بيبرس وحواصله فقربه السلطان وأثنى عليه ووعده بكل جميل إن أظهره على ذخائر المظفر بيبرس. فنزل كريم الدين إلى داره وتتبع أموال بيبرس وبذل جهده في ذلك. ثم انتمى كريم الدين إلى طغاي وكستاي وأرغون الدوادار الناصرية وبذل لهم مالًا كثيرًا حتى صاروا أكبر أعوانه وحموه من أستاذهم الملك الناصر. ثم قدم من كان مع المظفر بيبرس من المماليك وعدتهم ثلاثمائة ومعهم الهجن والخيل والسلاح ومبلغ مائتي ألف درهم وعشرين ألف دينار وستون بقجة من أنواع الثياب فأخذ السلطان جميع ذلك وفرق المماليك على الأمراء ما خلا بكتمر الساقي لجمال صورته وطوغان الساقي وقراتمر. ثم استدعى الملك الناصر القضاة وأقام عندهم البينة بأن جميع مماليك المظفر بيبرس وسلار وجميع ما وقفاه من الضياع والأملاك اشتري من بيت المال. فلما ثبت ذلك ندب السلطان جمال الدين آقوش الأشرفي نائب الكرك وكريم الدين أكرم لبيع تركة المظفر بيبرس وإحضار نصف ما يتحصل ودفع النصف الآخر لابنة المظفر زوجة الأمير برلغي الأشرفي فإن المظفر لم يترك من الأولاد سواها فشدد كريم الدين الطلب على زوجة المظفر وآبنته حتى أخذ منهما جواهر عظيمة القدر وذخائر نفيسة ثم تابع موجود المظفر فوجد له شيئًا كثيرًا. السنة التي حكم فيها الملك المظفر بيبرس وهي سنة تسع وسبعمائة على أن الملك المظفر بيبرس حكم من السنة الماضية أيامًا. فيها أعني سنة تسع وسبعمائة كانت الفتنة بين السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وبين الملك المظفر بيبرس. حسب ما تقدم ذكره مفصلًا حتى خلع المظفر وأعيد الناصر. وفيها كانت الفتنة أيضًا بالمدينة النبوية بين الشريف مقبل بن جماز بن شيحة وبين أخيه منصور بن جماز وكان مقبل قدم القاهرة فولاه المظفر نصف إمرة المدينة شريكًا لأخيه منصور فتوجه إليها فوجد منصورًا بنجد وقد ترك آبنه كبيشة بالمدينة فأخرجه مقبل فحشد كبيشة وقاتل مقبلًا حتى قتله وانفرد منصور بإمرة المدينة. وفيها كتب السلطان الملك الناصر لقرا سنقر نائب الشام بقتال العشير. وفيها أظهر خربندا ملك التتار الرفض في بلاده وأمر الخطباء إلا يذكروا في خطبهم إلا علي بن أبي طالب وولديه وأهل البيت. وفيها حج بالناس من القاهرة الأمير شمس الدين إلدكز السلاح دار ولم يحج أحد من الشام لاضطراب الدولة. وفيها توفي الأمير الوزير شمس الدين سنقر الأعسر المنصوري بالقاهرة في شهر ربيع الأول ودفن خارج باب النصر بعد ما استعفى ولزم داره مدة. وفيها توفي قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر الحراني الحنبلي في ليلة الجمعة الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول ودفن بالقرافة. ومولده بحران في سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه وقدم مصر فباشر نظر الخزانة وتدريس الصالحية ثم أضيف إليه قضاء الحنابلة فباشره وحمدت سيرته. وفيها توفي الشيخ نجم الدين محمد بن إدريس بن محمد القمولي الشافعي بقوص في جمادى الأولى وكان صالحًا عالمًا بالتفسير والفقه والحديث. وفيها توفي الأمير سيف الدين طغريل بن عبد الله الإيغاني بالقاهرة في عاشر شهر رمضان وكان من كبار الأمراء وأعيان الديار المصرية. وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك الخازندار في سابع شهر رمضان بالقاهرة وكان من أعيان أمراء مصر. وفيها توفي متملك تونس من بلاد الغرب الأمير أبو عبد الله محمد المعروف أبي عصيدة بن يحيى الواثق بن محمد المستنصر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص في عاشر شهر ربيع الآخر. وكانت مدة ملكه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وتولى بعده الأمير أبو بكر بن أبي يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الواحد المدعو بالشهيد لأنه قتل ظلمًا بعد ستة عشر يومًا من ملكه وبويع بعده أيضًا أبو البقاء خالد بن يحيى بن إبراهيم. وفيها توفي الوزير التاج أبو الفرج بن سعيد الدولة في يوم السبت ثاني شهر رجب وكان عند الملك المظفر بيبرس بمكانة عظيمة ولما تسلطن بيبرس قرره مشيرًا فكانت تحمل إليه فوطة العلامة فيمضي منها ما يختاره ويكتب عليه " عرض " فإذا رأى المظفر خطه علم وإلا فلا ولم يزل على ذلك حتى بعث إليه الأمير آقوش الأفرم نائب الشام يهدده بقطع رأسه فامتنع. وكان الأفرم صار يدبر غالب أمور الديار المصرية وهو بدمشق لأنه كان خشداش المظفر بيبرس وخصيصًا به والقائم بدولته والمعاند للناصر وغيره من نواب البلاد الشامية وقد تقدم ذكر ذلك. كله في ترجمة الملك المظفر بيبرس. وفيها توفي الشيخ القدوة العارف بالله تعالى تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندري المالكي الصوفي الواعظ المذكر المسلك بالقاهرة في جمادى الآخرة ودفن بالقرافة وقبره معروف بها يقصد للزيارة. وكان رجلًا صالحًا عالمًا يتكلم على كرسي ويحضر ميعاده خلق كثير وكان لوعظه تأثير في القلوب وكان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق وأرباب الطريق وكان له نظم حسن على طريق القوم وكانت جنازته مشهودة حفلة إلى الغاية ومن يا صاح إن الركب قد سار مسرعًا ونحن قعود ما الذي أنت صانع أترضى بأن تبقى المخلف بعدهم صريع الأماني والغرام ينارع وهذا لسان الكون ينطق جهرة بأن جميع الكائنات قواطع وفيها توفي القاضي عز الدين عبد العزيز ابن القاضي شرف الدين محمد ابن فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني أحد كتاب الدرج ومدرس الفخرية في ثامن صفر بالقاهرة ودفن عند والده بالقرافة. وكان من أعيان الموقعين وهو ووالده وجده ومات وله دون الأربعين سنة وكان له فضيلة ونظم ونثر. ومن شعره في رد جواب: جاء الكتاب ومن سواد مداده مسك ** ومن قرطاسه الأنوار فتشرف الوادي به وتعطرت ** أرجاؤه وأنارت الأقطار قلت وأين هذا من قول البارع جمال الدين محمد بن نباتة المصري حيث يقول في هذا المعنى: أفديه من ملك يكاتب عبده بأحرفه اللاتي حكتها الكواكب ملكت بها رقي وأنحلني الأسى فها أنذا عبد رقيق مكاتب والشيخ علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن العبيي رحمه الله: أهلتني لجواب ما كان ظني أجاوب وفيها توفي القاضي بهاء الدين عبد الله بن نجم الدين أحمد بن علي ابن المظفر المعروف بابن الحلي ناظر ديوان الجيش المنصور واستقر عوضه القاضي فخر الدين صاحب ديوان الجيش. وفيها توفي الأديب إبراهيم بن علي بن خليل الحراني المعروف بعين بصل. كان شيخًا حائكًا أناف على الثمانين وكان عاميًا مطبوعًا وقصده آبن خلكان واستنشده من شعره فقال: أما القديم فلا يليق إنشاده وأما نظم الوقت الحاضر فنعم وأنشده بديهًا: وما كل وقت فيه يسمح خاطري بنظم قريض رائق اللفظ والمعنى وهل يقتضي الشرع الشريف تيممًا بترب وهذا البحر يا صاحبي معنا فقال له ابن خلكان. أنت عين بصر لا عين بصل. انتهى.
: الماء القديم تأخر وتأخرت الزيادة إلى أن دخل شهر مسرى ووقع الغلاء واستسقى الناس فنودي بزيادة ثلاث أصابع ثم توقفت الزيادة ونقص في أيام النسيء ثم زاد حتى بلغ في سابع عشرين توت خمس عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا وفتح خليج السد بعد ما كان الوفاء في تاسع عشر بابه بعد النوروز بتسعة وأربعين يومًا. وكان مبلغ الزيادة في هذه السنة ست عشرة ذراعًا وإصبعين. وكان ذلك في أوائل سلطنة المظفر بيبرس الجاشنكير. فتشاءم الناس بكعبه عود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى ملك مصر ثالث مرة وقد تقدم ذكر نزوله عن الملك وتوجهه إلى الكرك وخلع نفسه وماوقع له بالكرك من مجيء نوغاي ورفقته ومكاتباته إلى نواب الشام وخروجه من الكرك إلى الشام طالبًا ملك مصر إلى أن دخل إلى دمشق كل ذلك ذكرناه مفصلًا في ترجمة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير. ونسوق الآن ذكر دخوله إلى مصر فنقول: لما كانت الثانية من نهار الثلاثاء السادس عشر من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة وهي الساعة التي خلع الملك المظفر بيبرس نفسه فيها من ملك مصر بديار مصر خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من دمشق يريد الديار المصرية فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب وإقبال سعد الناصر وإدبار سعد المظفر وسارا الملك الناصر يريد الديار المصرية وصحبته نواب البلاد الشامية بتمامهم وكمالهم والعساكر الشامية وخواصه ومماليكه. وأما أمر الديار المصرية فإن الملك المظفر بيبرس لما خلع نفسه وخرج من مصر إلى الإطفيحية جلس الأمير سلار بقاعة النيابة من قلعة الجبل وجمع من بقي من الأمراء واهتم بحفظ القلعة وأخرج المحابيس الذين كانوا فيها من حواشي الملك الناصر محمد وغيرهم وركب ونادى في الناس: " ادعوا لسلطانكم الملك الناصر " وكتب إلى الملك الناصر بنزول المظفر عن الملك وفراره إلى إطفيح وسير بذلك أصلم الدوادار ومعه النمجاه وكان قد توجه قبل ذلك من القاهرة الأمير بيبرس المنصورفي الدوادار والأمير بهادر آص في رسالة المظفر بيبرس أنه قد ترك السلطنة وأنه سأل: إما الكرك وإما حماة وإما صهيون. واتفق يوم وصولهما إلى غزة قدوم الملك الناصر أيضًا إليها وقدوم الأمير سيف الدين شاطي السلاح دار في طائفة من الأمراء المصريين إليها أيضًا. ثم قدمت العربان وقدم الأمير مهنا بن عيسى بجماعة كثيرة من آل فضل فركب السلطان إلى لقائه. ثم قدم الأمير برلغي الأشرفي مقدم عساكر المظفر بيبرس وزوج ابنته والأمير آقوش الأشرفي نائب الكرك فسر الملك الناصر بقدومهما فإنهما كانا عضدي المظفر. قال الأمير بيبرس الدوادار المقدم ذكره في تاريخه رحمه الله: وأما نحن فإنا تقدمنا على البريد فوصلنا إلى السلطان يوم نزوله على غزة فمثلنا بين يديه وأعدنا المشافهة عليه وطالعناه بنزول الركن عن السلطنة والتماسه مكانًا من بعض الأمكنة فاستبشر لحقن دماء المسلمين وخمود الفتنة واتفق في ذلك النهار ورود الأمير سيف الدين برلغي والأمير عز الدين البغدادي ومن معهما من الأمراء والمقدمين واجتمعنا جميعًاأ بالدهليز المنصور وقد شملنا الابتهاج وزال عنا الانزعاج وأفاض السلطان على الأمراء التشاريف الجليلة على طبقاتهم والحوائص الذهب الثمينة لصلاتهم فلم يترك أميرًا إلأ وصله ولا مقدمًا حتى شرفه بالخلع وجمله. وجددنا استعطاف السلطان فيما سأله الركن من الأمان وكل من الأمراء الحاضرين بين يديه يتلطف في سؤاله ويتضرع في مقاله حتى أجاب وعدنا بالجواب. ورحل السلطان على الأثر قاصدًا الديار المصرية فوصلنا إلى القلعة يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان واجتمعنا بالأمير سيف الدين سلار ووجدنا الجاشنكير قد تجاوز موضع الميعاد وأخذ في الإصعاد وحمله الإجفال على الإبعاد ولم يدعه الرعب يستقر به قرار ولا تلقتة معه أرض ولا دار فاقتضى الحال أن أرسلنا إليه الكتب الشريفة الواردة على أيدينا وعدت أنا وسيف الدين بهادر آص إلى الخدمة السلطانية فوجدنا الدهليز على منزلة السعيدية. انتهى كلام بيبرس الدوادار باختصار. قلت: ولما تكاملت العساكر بغزة سار الملك الناصر يريد الديار المصرية فوافاه أصلم دوادار سلار بالنمجاه ثم وصل رسلان الدوادار فسر السلطان بنزوله. وسار حتى نزل بركة الحجاج في سلخ شهر رمضان وقد جهز إليه الأمير سلار الطلب السلطاني والأمراء والعساكر ثم خرج الأمير سلار إلى لقائه. وصلى السلطان صلاة العيد بالدهليز ببركة الحاج في يوم الأربعاء مستهل شوال وخرج الناس إلى لقاء السلطان الملك الناصر. وأنشد الشعراء مدائحهم بين يديه فمن ذلك ما أنشده الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن موسى الداعي أبياتًا منها: الكامل: الملك عاد إلى حماه كما بدا ومحمد بالنصر سر محمدا وإيابه كالسيف عاد لغمده ومعاده كالورد عاوده الندى الحق مرتجع إلى أربابه من كف غاصبه وإن طال المدى ومنها: يا وارث الملك العقيم تهنه واعلم بأنك لم تسد فيه سدى عن خير أسلاف ورثت سريره فوجدت منصبه السري ممهدا يا ناصرًا من خير منصور أتى كمهند خلف الغداة مهندا آنست ملكًا كان قبلك موحشًا وجمعت شملًا كان منه مبددا ومنها: فالناس أجمع قد رضوك مليكهم وتضرعوا ألا تزال مخلدا وتباركوا بسناء غرتك التي وجدوا على نوار بهجتها هدى لا زلت منصور اللواء مؤيد إل - - عزمات ما هتف الحمام وغردا ثم قدم الأمير سلار سماطًا جليلًا بلغت النفقة عليه اثني عشر ألف درهم وجلس عليه السلطان والأمراء والأكابر والعساكر. فلما انقضىالسماط عزم السلطان على المبيت هناك والركوب بكرة النهار يوم الخميس فبلغه أن الأمير برلغي والأمير آقوش نائب الكرك قد اتفقا مع البرجية على الهجوم عليه وقتله فبعث السلطان إلى الأمراء عرفهم بما بلغه وأمرهم بالركوب فركبوا وركبت المماليك ودقت الكوسات. وسارالناصر وقت الظهر من يوم الأربعاء وقد احتفت به مماليكه كي لايصل إليه أحد من الأمراء حتى وصل إلى القلعة وخرج الناس بأجمعهم إلى مشاهدته. فلما وصل بين العروستين ترجل سلار عن فرسه وترجل سائر الأمراء ومشوا بين يديه إلى باب السر من القلعة وقد وقف جماعة من الأمراء بمماليكهم وعليهم السلاح حتى عبر السلطان إلى القلعة ثم أمر السلطان الأمراء بالانصراف إلى منازلهم وعين جماعة من الأمراء الذين يثق بهم أن يستمروا على ظهور خيولهم حول القلعة طول الليل فباتوا على ذلك. وأصبحوا من الغد وقد جلس السلطان الملك الناصر على كرسي الملك وهو يوم الخميس ثاني شؤال. وحضر الخليفة أبو الربيع سليمان والقضاة والأمراء وسائر أهل الدولة للهناء فقرأ الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن موسى الداعي: " وأنشد بعض الشعراء هذه الأبيات: الطويل تهنأت الدنيا بمقدمه الذي أضاءت له الآفاق شرقًا ومغربا وأما سرير الملك فاهتز رفعة ليبلغ في التشريف قصدًا ومطلبا وتاق إلى أن يعلو الملك فوقه كما قد حوى من قبله الأخ والأبا وكان ذلك بحضرة الأمراء والنواب والعساكر ثم حلف السلطان الجميع على طبقاتهم ومراتبهم الكبير منهم والصغير. ولما تقدم الخليفة ليسلم على السلطان نظر إليه وقال له: كيف تحضر وتسلم على خارجي هل كنت أنا خارجيا وبيبرس من سلالة بني العباس فتغير وجه الخليفة ولا ينطق. قلت: والخليفة هذا كان الملك الناصر هو الذي ولاه الخلافة بعد موت أبيه الحاكم بأمر الله. ثم التفت السلطان إلى القاضي علاء الدين علي بن عبد الظاهر الموقع وكان هو الذي كتب عهد المظفر بيبرس عن الخليفة وقال له: يا أسود الوجه فقال ابن عبد الظاهر من غير توقف: يا خوند أبلق خير من أسود. فقال السلطان: ويلك حتى لا تترك رنكه أيضًا يعني أن ابن عبد الظاهر كان ممن ينتمي إلى سلار وكان رنك سلار أبيض وأسود. ثم التفت السلطان إلى قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة وقال له: يا قاضي كنت تفتي المسلمين بقتالي فقال: معاذ الله أن تكون الفتوى كذلك وإنما الفتوى على مقتضى كلام المستفتي. ثم حضر الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن المرحل وقبل يد السلطان فقال له السلطان: كنت تقول في قصيدتك: ما للصبي وما للملك يكفله فحلف ابن المرحل بالله ما قال هذا وإنما الأعداء أرادوا إتلافي فزادوا في قصيدتي هذا البيت والعفو من شيم الملوك فعفا عنه. وكان ابن المرحل قد مدح المظفر بيبرس بقصيدة عرض فيها بذكر الملك الناصر محمد من جملتها: البسيط ما للصبي وما للملك يكفله شأن الصبي بغير الملك مألوف ثم استأذن شمس الدين محمد بن عدلان للدخول على السلطان فقال السلطان للدوادار قل له: أنت أفتيت أنه خارجي وقتاله جائز ما لك عنده دخول ولكن عرفه هو وابن المرحل أنه يكفيهما ما قال الشار مساحي في حقهما وكان من خبر ذلك أن الأديب شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الشارمساحي الماجن مدح السلطان الملك الناصر بقصيدة يهجو فيها المظفر بيبرس ولى المظفر لما فاته الظفر وناصر الحق وافى وهو منتصر وقد طوى الله من بين الورى فتنًا كادت على عصبة الإسلام تنتشر فقل لبيبرس إن الدهر ألبسه أثواب عارية في طولها قصر لما تولى تولى الخير عن أمم لم يحمدوا أمرهم فيها ولا شكروا وكيف تمشي به الأحوال في زمن لا النيل وافى ولا وافاهم مطر ومن يقوم ابن عدلان بنصرته وابن المرحل قل لي كيف ينتصر وكان المطر لم يقع في تلك السنة بأرض مصر وقصر النيل وشرقت البلاد وارتفع السعر. واتفق أيضًا يوم جلوس السلطان الملك الناصر أن الأمراء لما اجتمعوا قبل خروج السلطان إليهم بالإيوان أشار الأفرم نائب الشام لمنشد يقال له مسعود أحضره معه من دمشق فقام مسعي وأنشد أبياتًا لبعض عوام القاهرة قالها عند توجه الملك الناصر من الديار المصرية إلى الكرك: منها: الطويل أحبة قلبي إنني لوحيد أريد لقاكم والمزار بعيد كفى حزنًا أني مقيم ببلدة ومن شف قلبي بالفراق فريد أجول بطرفي في الديار فلا أرى وجوه أحبائي الذين أريد فتواجد الأفرم وبكى وحسر عن رأسه ووضع الكلفتاة على الأرض فأنكر الأمراء ذلك وتناول الأمير قراسنقر الكلفتاة ووضعها بيده على رأس الأفرم ثم خرج السلطان فقام الجميع وصرخ الجاويشية فقبل الأمراء الأرض وجرى ما ذكرناه وانقضت الخدمة ودخل السلطان إلى الحريم. ثم بعد الخدمة قدم الأمير سلار النائب عدة من المماليك والخيول والجمال وتعابي القماش ما قيمته مائتا ألف درهم فقبل السلطان شيئًا ورد الباقي. وسأل سلار الإعفاء من الإمرة والنيابة وأن ينعم عليه بالشوبك فأجيب إلى ذلك بعد أن حلف أنه متى طلب حضر وخلع السلطان عليه وخرج سلار من مصر عصر يوم الجمعة ثالث شوال مسافرًا إلى الشوبك فكانت مدة نيابة سلار على مصر إحدى عشرة سنة. وكانت الخلعة التي خلعها السلطان عليه بالعزل عن النيابة أعظم من خلعة الولاية وأعطاه حياصة من الذهب مرضعة وتوجه معه الأمير نظام الدين مسفرًا له واستمر الأمير علي بن سلار بالقاهرة وأعطاه السلطان إمرة عشرة بمصر. ثم في خامس شؤال قدم رسول المظفر بيبرس يطلب الأمان فأمنه السلطان. وفيه خلع السلطان على الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن الأمير آقوش الأفرم بحكم عزله. وخلع على الأمير سيف الدين قبجق المنصوري بنيابة حلب عوضًا عن قرا سنقر. وخلع على أسندمركرجي بنيابة حماة عوضًا عن قبجق وخلع على الحاج بهادر الحلبي بنيابة طرابلس عوضًا عن أسندمر كرجي. وخلع على قطلوبك المنصوري بنيابة صفد عوضًا عن بكتمر الجوكندار. واستقر سنقر الكمالي حاجب الحجاب بديار مصر على عادته وقرالاجين أمير مجلس على عادته. وبيبرس الدوادار على عادته وأضيف إليه نيابة دار العدل ونظر الأحباس. وخلع على الأمير جمال الدين آقوش الأفرم نائب الشام كان بنيابة صرخد على خبز مائة فارس. وأنعم السلطان على نوغاي القبجاقي بإقطاع الأمير قطلوبك المنصوري وهو إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق. ونوغاي هذا هو صاحب الواقعة مع المظفر والخارج من مصر إلى الكرك. انتهى. ثم رسم السلطان لشهاب الدين بن عبادة بتجهيز الخلع والتشاريف لسائر أمراء الشام ومصر فجهزت وخلع عليهم كلهم في يوم الاثنين سادس شوال وركبوا بالخلع والتشاريف فكان لركوبهم يوم عظيم. وفي يوم الأحد ثاني عشر شوال استقر فخر الدين عمر بن الخليلي في الوزارة عوضًا عن ضياء الدين النشائي. ثم رسم السلطان للنواب بالسفر فأول من سافر الأمير قبجق نائب حلب وخرجت معه تجريدة من العساكر المصرية خوفًا من طارق يطرق البلاد. والذي تجرد مع قبجق من أمراء مصر هم: الأمير جبا أخو سلار وطرنطاي البغدادي وعلاء الدين أيدغدي وبهادر الحموي وبلبان الدمشقي وسابق الدين بوزنا الساقي وركن الدين بيبرس الشجاعي وكوري السلاح دار وأقطوان الأشرفي وبهادر الجوكندار وبلبان الشمسي وأيدغدي الزراق وكهرداش الزراق وبكتمر أستادار وأيدمر الإسماعيلي وأقطاي الجمدار وجماعة من أمراء العشرات. فلما وصلوا إلى حلب رسم بإقامة جماعة منهم بالبلاد الشامية عدتهم ستة من أمراء الطبلخاناه وعادت البقية. وفي يوم الخميس سادس عشر شوال حضر الأمراء للخدمة على العادة وقد قرر السلطان مع مماليكه القبض على عدة من الأمراء وأن كل عشرة يقبضون أميرًا ممن عينهم بحيث يكون العشرة عند دخول الأمير محتفة به فإذا رفع السماط واستدعى السلطان أمير جاندار قبض كل جماعة على من عين لهم. فلما حضر الأمراء في الخدمة أحاط بهم المماليك ففهموا القصد وجلسوا على السماط فلم يتناول أحد منهم لقمة وعندما نهضوا أشار السلطان إلى أمير جاندار فتقدم إليه وقبض المماليك على الأمراء المعينين وعدتهم اثنان وعشرون أميرًا فلم يتحرك أحد منهم فبهت الجميع ولم يفلت منهم سوى جركتمر بن بهادر رأس نوبة فإنه لما فهم القصد وضع يده على أنفه كأنه رعف وخرج من غير أن يشعر به أحد واختفى عند الأمير قراسنقر وكان زوج أخته فشفع فيه قراسنقر فقبل السلطان شفاعته. وكان الأمراء المقبوض عليهم: الأمير باكير وأيبك البغدادي وقينغار التقوي وقجماس وصاروجا وبيبرس وبيدمروتينوا ومنكوبرس وإشقتمر والسيواسي وسنقر الكمالي الحاجب والحاج بيليك المطفري والغتمي وإكبار وحسن الردادي وبلاط وتمربغا وقيران ونوغاي الحموي وهو غير نوغاي القبجاقي صاحب الواقعة وجماعة أخر تتمة الاثنين وعشرين أميرًا. وفي ثالث عشرين شوال استقر الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار المنصوري في نيابة السلطنة بديار مصر عوضًا عن سلار. وفيه أمر السلطان اثنين وثلاثين أميرًا من مماليكه منهم: تنكز الحسامي الذي ولي نيابة الشام بعد ذلك وطغاي وكستاي وقجليس وخاص ترك وطط قرا وأقتمر وأيدمر الشيخي وأيدمر الساقي وبيبرس أمير آخور وطاجار المارديني الناصري وخضر بن نوكاي وبهادر قبجق والحاج أرقطاي وأخوه أيتمش المحمدي وأرغون الدوادار الذي صار بعد ذلك نائب السلطنة بمصر وسنقر المرزوقي وبلبان الجاشنكير وأسنبغا بن عبد الله المحمودي الأمير سيف الدين وبيبغا المكي وأمير علي بن قطلوبك ونوروز أخو جنكلي وألجاي الحسامي وطيبغا حاجي ومغلطاي العزي صهر نوغاي وقرمشي الزيني وبكتمر قبجق وتينوا الصالحي ومغلطاي البهائي وسنقر السلاح دار ومنكلي بغا وركبوا الجميع بالخلع والشرابيش من المنصورية ببين القصرين وشقوا القاهرة وقد أوقدت الحوانيت كلها إلى الرميلة وسوق الخيل وصفت المغاني وأرباب الملاهي في عدة أماكن ونثرت عليهم الدراهم فكان يومًا مشهودًا. وكان المذكورون منهم أمراء طبلخاناه وعشراوات. وفيه قبض السلطان على برلغي الأشرفي وجماعة أخر. ثم بعد أيام أيضًا قبض السلطان على الأمير عز الدين أيدمر الخطيري الأستادار والأمير بدر الدين بكتوت الفتاح أمير جاندار بعدما حضرا من عند الملك المظفر بيبرس وخلع عليهما وذلك بعد الفتك بالمظفر بيبرس حسب ما ذكرناه في ترجمة المظفر بيبرس وسكتنا عنه هنا لطول قصته ولقصر مدة حكايته فإنه بالأمس ذكر فليس لتكراره محل ومن أراد ذلك فلينظر في ترجمة المظفر بيبرس. انتهى. وفيه سفر الأمراء المقبوض عليهم إلى حبس الإسكندرية وكتب بالإفراج عن المعتقلين بها وهم: آقوش المنصوري قاتل الشجاعي والشيخ علي التتاري ومنكلي التتاري وشاورشي بن قنغر وهو الذي كان أثار فتنة الشجاعي وكتبغا وغازي وموسى أخوا حمدان بن صلغاي فلما حضر. خلع عليهم وأنعم عليهم بإمريات في الشام. ثم أحضر شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية من سجن الإسكنرية وبالغ في إكرامه وكان حبسه المظفر لأمر وقع بينه وبين علماء دمشق ذكرناه في غير هذا الكتاب وهو بسبب الاعتقاد وما يرمى به أوباش الحنابلة. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرين صفر سنة عشر وسبعمائة عزل السلطان قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي عن قضاء الديار المصرية بقاضي القضاة جمال الدين أبي داود سليمان بن مجد الدين أبي حفص عمر الزرعي وعزل قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم السروجي الحنفي فأقام بعد عزله ستة أيام ومات. ثم كتب السلطان الملك الناصر بالقبض على الأمراء الذين كان أطلقهم من حبس الإسكندرية وأنعم عليهم بإمريات بالبلاد الشامية خوفًا من شرهم. ثم استقر السلطان بالأمير بكتمر الحسامي حاجب دمشق في نيابة غزة عوضًا عن بلبان البدري. ثم قبض السلطان على قطقطو والشيخ علي وضروط مماليك سلار وأمر عوضهم جماعة من مماليكه وحواشيه منهم: بيبغا الأشرفي وجفتاي وطيبغا الشمسي وأيدمر الدوادار وبهادر النقيب. وفيها حضر ملك العرب حسام الدين مهنا أمير آل فضل فأكرمه السلطان وخلع عليه وسأل مهنا السلطان في أشياء وأجابه منها: ولاية حماة للملك المؤيد إسماعيل ابن الملك الأفضل علي الأيوبي فأجابه إلى ذلك ووعده بها بعد أسندمر كرجي ومنها الشفاعة في أيدمر الشيخي فعفا عنه وأخرجه إلى قوص ومنها الشفاعة في الأمير برلغي الأشرفي وكان في الأصل مملوكه قد كسبه مهنا هذا من التتار ثم أهداه إلى الملك المنصور قلاوون فورثه منه ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاوون فعدد السلطان الملك الناصر ذنوبه فما زال به مهنا حتى خفف عنه وأذن للناس في الدخول عليه ووعدده بالإفراج عنه بعد شهر فرضي بذلك وعاد إلى بلاده وهو كثير الشكر والثناء على الملك الناصر.
|